2023-02-01

هذا ما فعلته إسرائيل لسلخ المقدسيين عن هويتهم الوطنية فهل نجحت في ذلك

من اللحظة الأولى لانتشار خبر وقوع عملية إطلاق نار داخل كنيس في مستوطنة "النبي يعقوب" المقامة على أراضي بلدتي بيت حنينا وحزما بالقدس، احتفل المقدسيون بإطلاق الألعاب النارية وأبواق السيارات في الشوارع، وتوزيع الحلويات ابتهاجا بسقوط قتلى إسرائيليين في هذه العملية.

"الأغاني الوطنية" التي يتعمد الشبان تشغيلها أيضا في سياراتهم خلال الأوضاع المشتعلة بالمدينة قد تُعرضهم للملاحقة والمساءلة، لكنهم لا يولون اهتماما للعواقب عندما يتعلق الأمر بهويتهم الوطنية التي يصرون على التمسك بها.

 

ومنذ احتلال شرقي القدس عام 1967 حاولت سلطات الاحتلال سلخ المقدسيين عن هويتهم الوطنية فساعدت في تسرب الشبان من المدارس في سن مبكرة لينخرطوا في سوق العمل الإسرائيلي برواتب مغرية، وسهلت انخراطهم في دورات تعليم اللغة العبرية، كما سهلت تجارة المخدرات لإغراق الشبان الفلسطينيين في تعاطيها.

وتغلغل الاحتلال بشكل ناعم في عمق الأحياء المقدسية من خلال المراكز الجماهيرية التي وصل عددها إلى 7 في الأحياء الفلسطينية بالقدس حتى الآن.

 

الولاء لإسرائيل

وفعلت سلطات الاحتلال كل ذلك من أجل حصر الشبان في مربع واحد هو "الولاء لإسرائيل" لكن مع وقوع كل عملية تكتشف إسرائيل أن الرياح تجري بما لا تشتهيه سفنها.

فالشبان الذين يعملون في سوق العمل الإسرائيلي ويتقنون العبرية وبعضهم من لم ينخرط في التعليم الجامعي هم من ينفذون العمليات الأكثر إيلاما، مثل عدي التميمي وخيري علقم مؤخرا، وبالتالي تجد إسرائيل نفسها أمام عزلة أكبر في القدس رغم أيديها الممتدة في كل مكان.

 

فعلى سبيل المثال تجمهر عشرات الشبان أمس أمام منزل منفذ العملية وهم يعلمون أن قوات الاحتلال ستقتحمه في أي لحظة وسيتعرضون للاعتقال بشكل جماعي، لكن ذلك لم يثنهم عن الالتفاف حول عائلة علقم من اللحظة الأولى لإعلان استشهاده.

الحاضنة الاجتماعية التي يشكلها المقدسيون خلال الهبات الشعبية والأحداث الأمنية المتردية تشعر المؤسسة الإسرائيلية أن أموالها التي تضخ في خانة "الأسرلة" تذهب سدى خاصة أن أحدث القوانين بهذا الإطار أُقرّ عام 2018 وحمل رقم 3790 ورُصد من خلاله نحو 27 مليون دولار أميركي سنويا لـ "تطوير" منظومة التربية والتعليم والنشاطات اللامنهجية شرقي المدينة المقدسة على مدار 5 أعوام، بحيث تكون الميزانية الإجمالية للمشروع نحو 136 مليونا.

 

نشاطات لامنهجية

وهذه الأموال التي تضخ منذ 5 أعوام لبناء مدارس شرقي المدينة توفر التعليم المجاني وتطبق المنهاج الإسرائيلي، وتدير سلسلة ضخمة من النشاطات اللامنهجية، 90% منها تقريبا بعيدة عن الجانب السياسي، وتقتصر على الجانب الترفيهي، لكن 10% منها تُتبع من خلالها سياسة التغلغل الناعم في عقول شباب وأطفال القدس.

عماد أبو عواد الباحث في مركز القدس لدراسات الشأن الفلسطيني والإسرائيلي تطرق -في حديثه للجزيرة نت- إلى عدة عوامل يقول إنها ساهمت في عدم قدرة إسرائيل على تدجين المقدسيين.

وأهم هذه العوامل ارتباط الشباب المقدسي بهويته المرتبطة بالمسجد الأقصى الذي يُحرك المقدسيين بغض النظر عن مستوى الالتزام الديني والفكري، ورغم محاولات التأثير على الجيل الجديد عبر تسهيل ترويج وتعاطي المخدرات فإن إسرائيل عجزت حتى الآن عن سحق هوية المقدسيين الوطنية.

 

"عند المساس بالمقدسات والعقيدة بالإضافة للعنصرية الملموسة في كافة مناحي الحياة نجد أن الجيل الجديد متحفز وواع فلا يسقط في وحل الأسرلة" أضاف أبو عواد.

 

جرأة المقدسيين

عامل آخر هو جرأة المقدسيين وانعدام خوفهم من القوات المدججة بالأسلحة، بسبب الاحتكاك اليومي مع الإسرائيليين بالمدينة المقدسة جعلهم الأكثر وعيا في الحالة الفلسطينية في كيفية التعامل مع كافة محاولات التغلغل الناعمة والخشنة.

ومع وقوع عمليتي إطلاق نار خلال أقل من 24 ساعة، يعلو صوت سياسة الحديد والنار مع توعد المسؤولين الإسرائيليين بهدم منازل منفذي العمليات واعتقال أفراد عائلاتهم واتخاذ قرارات بترحيلهم من مدينتهم المقدسة.

ورغم أن هذه الإجراءات التعسفية، بالإضافة لسياسة احتجاز الجثامين في الثلاجات، اتخذت بحق كثير من عائلات منفذي العمليات فإنها لم تؤدِ إلى إيقاف الهجمات الفردية ضد قوات الاحتلال والمستوطنين في القدس.

جميع الحقوق محفوظة لموقع المسجد الاقصى 2023 ©